اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



أظهر العرب والخليجيون وعلى رأسهم المملكة العربيّة السعوديّة خلال استقبالهم الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب وما استتبع من قمم تسليمًا قلّ نظيره في التاريخ العربيّ وفي العلاقة العربيّة-الأميركيّة بالرؤى الأميركيّة المتدحرجة بحممها ما بين المشرق العربيّ وخليجه. فقد دخلوا جوًّا من العلاقة يسوغ وصفها بحسب مصدر دبلوماسيّ بعلاقة التابع بالمتبوع والمستثمِر بالمستثمَر.
هذه النوعيّة من العلاقة تمثّلت فيها أهداف ومصالح مشتركة، عند الجانب السعوديّ، الهدف الجوهريّ تقليم أظافر إيران من اليمن إلى سوريا، وقد أحرز بالنسبة إليه صفقة بدأت لحظة لقاء ترامب بوليّ وليّ العهد الأمير عبدالله بن سلمان في البيت الأبيض، فكان اللقاء المقدّمة لهذه الصفقة، عنوانها قوموا أنتم بضربها ونحن ندعمكم بالسلاح والموقف ضمن صفقة متكاملة كلفتها بحدود ثلاثمئة وخمسين مليار دولار أميركيّ، واللافت في هذا المعنى ذلك الاندراج السريع والحاسم في مضمون الصفقة، فيما حاجة الأميركيين ماسّة للمال الخليجيّ وتأمين ديمومة الاستثمار فيه وعلى أرضه. ويشير المصدر الدبلوماسيّ، بأنّ الاندراج السعوديّ السريع، جاء وبلا فهم للمترتبات الممكنة والتداعيات المتوقعة على قلب الخليج عينه.
شعار الفوضى بالخلاقة الذي رفعته رايس في عهد جورج بوش الإبن منذ سنة 2003 أي منذ تاريخ الدخول الأميركيّ إلى العراق وصولاً إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، والحرب الإسرائيليّة على لبنان خلال تمّوز سنة 2006 بلوغًا حتى الربيع العربيّ وقمّته الحرب في سوريا وعليها والتي اندلعت سنة 2011. استتباعًا لذلك، نظريّة «الفوضى الخلاّقة»، وهي هدّامة، انطلقت من المشرق العربيّ ولكنّها غير محصورة به، وبحسب هذا المصدر إنّ عهد باراك أوباما تميّز بانّه لفظ تلك النظرية من جوفه وأبعدها عن تفكيره. لكنّ سلوكيات دونالد ترامب تجاه الصراع في الشرق الأوسط والمتحركة في بنيته أيقظت تلك النظرية وأعادتها إلى التجسيد، تمامًا كما عهد بوش الإبن، والتي ستعبر عبورًا عاصفًا نحو الخليج العربيّ أو شبه الجزيرة العربيّة، وقد بدأت بالعبور مع زيارة ترامب للمملكة.
وفي قراءته المستفيضة لمعنى الزيارة، أظهر المصدر بأنّ الإدارة الأميركيّة الجديدة، ستعمد على تفتيت المشرق والخليج العربيين بصورة عامّة، وعرض وبناءً على معطيات راسية، بأنّ نظرية التقسيم أعيد إحياؤها من جديد خلال اللقاء الشهير بين ترامب وبنيامين نتنياهو الذي خرج من البيت الأبيض بفرح وحماس وصرّح قائلاً: هذا أسعد يوم في حياتي، وهو يشير إلى لقائه مع ترامب. حتمًا لم يكن اللقاء الهدف بل مضمونه ونتائجه، وقد اتفق الجانبان على ضرورة إعادة الاعتبار إلى هذا المخطّط بمنسوب عال من الشحن المذهبيّ بين السنة والشيعة، والشحن القوميّ والعرقيّ بين العرب والعجم، والعرب والأكراد والعرب والحوثيين. ولفت المصدر النظر إلى أنّ رفع منسوب الشحن سيؤدّي بصورة واقعيّة إلى إضعاف المسلمين تحت نظرية الصدام المذهبيّ، وهو بطبيعته وجوهره صدام تراجيدي حتى الموت، يحرق الأرض ويرمّدها وبنتيجته تموت الآلهة كما في إلياذة هوميروس الإغريقيّة. مجموع الصدامات المتراكمة من شأنه أن يصنع عصرًا إسرائيليًّا جديدًا مطلاًّ على آفاق استثمارية في النفط العربيّ فيكونون شركاء في الشكل والجوهر. إنّ إضعاف المسلمين أيضًا بحرب مذهبيّة يدفع إلى اسثمار أميركيّ للخيرات والأموال العربيّة، لتفعيل صناعة الأسلحة واسثتمار النفط من قبل شركات يهو-أميركيّة، وهذا بدوره وفي لحظة البطالة والتراجع الاقتصاديّ الأميركيّ هدف كبير واستراتيجيّ، ويجسّد بالتالي نظريّة برنارد لويس وهي مستندة الرسائل الثلاث المتبادلة في حقبة الخمسينات بين موشي شاريت وإسحق ساسون وديفيد بن غوريون، ومفادها بأنّ تقسيم الشرق الأوسط يريح إسرائيل وجوديًّا، ومنذ ذلك الحين والعمل جار على أخذ الطوائف إلى خطاب أصوليّ وإحيائيّ حتى تتصادم وتبلغ تلك المرحلة المشار إليها، وقد بلغناها على مراحل في المثلّث اللبنانيّ-السوريّ-العراقيّ,
من سمع خطاب ترامب في القمّة الخليجيّة العربيّة-الأميركيّة، وتمعّن بعباراته ومن ثمّ بالبيان الصادر عنها اكتشف هذه الحقيقة الساطعة في المدى المنظور والتائقة إلى ما هو غير منظور. في المدى المنظور يسعى ترامب إلى توسيع رقعة الاستراتيجيا الأميركيّة في مشهد صداميّ سعوديّ-أميركيّ، وفي حلف يحضّر له حتى بداية سنة 2018، غاية هذا الأمر أن يحدّ من طموح روسيا بالتفرّد في الحلّ السياسيّ وفقًا للتسويات التي عملوا لها في سوريا والعراق.
وفي هذا الخصوص لفت قريبون من موسكو بان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استهلك كلّ وقته خلال اليومين الفائتين وجمع أركان قيادته وعلى رأسهم سيرغي لافروف وزير الخارجيّة، وسيرغي شويغو وزير الدفاع وميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجيّة مع خبراء استراتيجيين وقرأوا زيارة ترامب إلى السعوديّة وخطابه والبيان الصادر بالمعاني والأهداف، فاستخلصوا ما يلي:
1-لقد انقلب دونالد ترامب الرئيس على دونالد ترامب المرشّح بمضمون سياسيّ متغير ومختلف، وبهذا الانقلاب أعاد الإدارة الأميركية إلى مرحلة التشدّد تجاه المشرق العربيّ وتجاه دور روسيا في الحرب على الإرهاب.
2-يحاول دونالد ترامب ان يثبت للأميركيين بأنّه قادر على تأمين مصالح أميركا، وإنّ الرخاء سيعود بفضله وفضل استثماراته إلى الاقتصاد الأميركيّ، على الرغم من المعارضة الشديدة والشرسة له وكانت محطة الCNN  على رأس المعرضين والمهاجمين بقسوة وشراسة. وبتلك المحاولة الاستيعابيّة والاحتوائيّة، وبحسب الخلاصة الروسيّة، يشاء ترامب من بوابة الخليج التموضع في الداخل الأميركيّ والمحيي لأميركا باقتصادها وماليّتها وإبطال البطالة في معظم مؤسساتها.
3-ستقوم إسرائيل بتقديم هديّة هائلة له بعد زيارته المظفرة للخليج، تقوم على تعويمه في الداخل الأميركيّ من خلال المؤسسات التابعة للوكالة اليهوديّة، فمصلحة إسرائيل تقتضي ذلك طالما هو أعاد الاعتبار لرؤيتها ومخططها في المنطقة. وهي مهتمة بتعويم نظرية الفوضى الخلاّقة من المشرق العربيّ إلى خليجه.4-ليس بمقدور ترامب قتال إيران بصورة مباشرة فقتالها مكلف للغاية، وليست له مصلحة بالدخول بحرب مباشرة بل يقاتلها بالواسطة، وينجلي القصد هنا بفعل القتال بالواسطة، والقصد تمزيق الجسم الإسلاميّ وحرق الأرض المشرقيّة والعربيّة بحروب متنقلة.
5-في هذه المعركة وبصورة واضحة وكما استنتج الروس ستزداد إيران قوّة ومناعة، وهي لصالحها أكثر مما هي لصالح الخليجيين، ذلك أن الخليجيين يتعاطون مع إيران بانفعال قبليّ وعشائريّ مطلق، وغالب الظنّ أنهم لم يفهموا التركيبة الإيرانية بعمقها وحيويتها والتفاف الشعب حول دولته في لحظات الخطر، وستتحوّل إيران إلى بطلة وقوّة إسلاميّة وإقليميّة أكثر مما هي عليه، فحراكها دومًا مدروس فيما الحراك السعوديّ ارتجاليّ.
6-لقدّ قدّم دونالد ترامب هديّة كبرى لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ولحزب الله بالتحريض عليه وعلى أنصار الله والحوثيين. ذلك أن المشروع السعوديّ في سوريا قد أصيب بالعطب ومني بالهزيمة بفعل دور الحزب في الحرب الاستباقيّة في سوريا، والحزب أثبت انه القوة الإقليمية الكبرى، والحرب عليه في ظلّ هذا المناخ بدوره ستجعل من حسن نصرالله بطلاً عربيًّا وإسلاميًّا وقوميًّا ورمزًا للأحرار في العالم.
7-الاندراج الصعوديّ والخليجيّ في مشروع الحرب اعتبرته روسيا انزلاقًا بكل ما للكلمة من معنى في منحدر خطير وقد يكون سحيقًا، واعتبر المجتمعون بناء على المعلومات بأنّ روسيا قدّمت النصح للسعوديّة من خلال اللقاء الأخير بين الوزيرين لافروف والجبير بالتحاور مع إيران وعدم الصراع معها والتأسيس لتسوية تاريخيّة تنطلق من مفهوم واحد ومشترك في الحرب على الإرهاب. السعوديون والخليجيون يرتكبون خطيئة تاريخيّة وعظمى في الاتجاه نحو الصدام عوضًا عن الحوار.
8-ترى روسيا ذاتها مستهدفة من خلال هذا الاحتشاد في الحضور والمعاني، والروس عاكفون بفعل تلك الخلاصة على حماية كلّ الإنجازات في سوريا ولن يسمحوا لإدارة ترامب بعد الآن بالتفرّد ومتى قرّر ترامب مواجهة الجيش السوريّ بلحظات تقدمه سيجد بوجهه الطيران الروسيّ وسيقوم وزير الخارجية لافروف بإبلاغ نظيره الأميركيّ ريكس تيلرسون بهذا الأمر.
وفي الختام، المنطقة ذاهبة إلى تصعيد خطير، لكنّ روسيا لن تكون بعيدة والحرب ستكون مفتوحة بين جبهتين... المهم بان يدرك لبنان بأنه لن يكون بمنأى عنها إلاّ بوحدته الداخلية، والوحدة تتطلّب الإسراع بإقرار قانون الانتخابات وفقًا لصيغة ميثاقية جامعة.


الأكثر قراءة

جبهة الجنوب تترقب «عض الأصابع» في الدوحة... وجيش الإحتلال في محنة سفراء «الخماسيّة» يُروّجون لمرونة وهميّة: تهيئة الأرضيّة لما بعد الحرب! «بضاعة» باسيل كاسدة مسيحياً... برودة في بكركي... وسلبيّة «قواتيّة» ــ «كتائبيّة»