اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب




حلّ إذاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضيفاً على نظام آل سعود . لا يهمنا في الحقيقة كم من المليارات المودوعة كما أظن في المصارف الأميركية والأوروبية ستحوّل من حساب العائلة المالكة السعودية إلى حسابات شركات المركب الصناعي ـ العسكري  الأميركي وغيرها التي تعمل في مجالات إقتصادية أخرى في الولايات المتحدة الاميركية نفسها . كما لا تعنينا المشاريع المنوي تنفيذها لربط السعودية ودول الخليح بدولة إسرائيل الإستعمارية التي اغتصبت كما هو معروف أرض الفلسطينيين وأجبرتهم على النزوح ثم طاردتهم في البلدان التي لجأوا إليها بقصد إبعادهم أطول مسافة عن بلادهم  رافضة الإعتراف بخطيئتها «الأصلية» والتصالح معهم ومساعدتهم على الخلاص من  المأزق الذي أوقعتهم فيه ظلماً .  
لن نضيع الوقت في تحليل وتقييم ما جرى في السعودية بمناسبة زيارة الرئيس الأميركي الجديد، المثير للجدل ليس في بلاده وحسب وإنما على المستوى الدولي أيضاً .
ولكن ولا بد من التوكيد على أمر يستحق من وجهة نظري أن نتوقف عنده إمعاناً للنظر في دلالاته وفي ما قد ينجم عنه في المدى القريب والمتوسط . يتمثل هذا الأمر  بالإصرار الأميركي على توصيف المقاومة ضد المستعمرين الإسرائيليين بالإرهاب، من المملكة السعودية لما لها من وهج ديني كونها البلاد التي انطلقت منها الدعوة الإسلامية.  هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، فإن الرئيس الأميركي لم يكتف بمصادقة الحكام السعوديين على قراره فقط وإنما أعلن ذلك أيضاً على مرأى ومسمع من زعماء وممثلين عن غالبية الدول التي يضمها، كما أعتقد تكتل المؤتمر الإسلامي (حضر ممثلون عن 52 دولة) وهي البلاد التي تشكل بحسب مصطلح تافه لا معنى له، «العالم العربي والإسلامي» الذي يردده البعض وكأنه ورقة تين ! فأنا أميل إلى الإعتقاد بأن المدعويين إلى الرياض ، إنما جاءوا استجابة لطلب الولايات المتحدة الأميركية وليس إرضاء للعائلة الملكية (الرئيس المصري السيسي حضر بعد أن اتصل به هاتفياً الرئيس الأميركي، الرئيس السوداني لم يحضر لأن الرئيس الأميركي رفض حضوره).
في الواقع لم يكن مطلوباً من المؤتمرين في الرياض سوى الإستماع إلى كلام الرئيس الأميركي، إذ يفترض هذا الأخير أن لا رأي لهم . السؤال الذي ينهض هنا يدور  في الواقع حول فحوى كلام الرئيس . من البديهي أنه جاء إلى السعودية ليكشف عن بيان   ذي أهمية كبيرة تفوق بكثير من وجهة نظري أهمية المليارات وصفقات السلاح الجنونية.
ما أود قوله هو أن المنطقة العربية ستشهد على الأرجح تباعاً في الأيام والشهور القادمة ترجمات لبيان الرئيس الأميركي أمام زبانيته في مؤتمر الرياض الأخير . ينجم عنه انه من غير المستبعد أن تأخذ الحرب في سورية والعراق منحى نظيرتها الدائرة في اليمن، أي إمطار هذين البلدين بالمتفجرات بصورة كثيفة وعشوائية، حتى لا يبقى مكان آمن فيها فيـجـُن جنون الناس !
أغلب الظن أن الولايات المتحدة الأميركية هي في طور إنشاء كيان شرق أوسطي   يتكون من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، أو معظمها بحيث يكون هذا الكيان واجهة سياسية وعسكرية للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، فنحن نقول أن الدولتين لا تفترقان !
أما الغاية الرئيسية من هذا كله، أي توظيف مليارات النفط وشراء أطنان السلاح ، فهي إزالة العوائق التي قد تعترض مشروع «الدولة اليهودية» من النيل إلى الفرات . لا أعتقد أننا نلقي الكلام جزافاً عندما نقول أن الإسرائيليين يسيطرون على خليج العقبة وعلى البحر الأحمر وأن أصدقاءهم الأميركيين يتواجدون في سورية، شرقي الفرات، وأن المعارك تدور في الراهن من أجل السيطرة على الخط الحدودي الذي يصل الجنوب السوري بمنطقة الجزيرة .
مجمل القول وقصاراه أننا كما يبدو حيال مشروع أميركي يقتضي تغيير وتبديل   الدور الذي تؤديه المملكة السعودية ودول الخليج في الواقع العربي إذا جاز التعبير، من مساعدة الإنحراف عن المسار الصحيح وتشجيع السياسات التي تضر بالمصالح القومية  العربية، إلى لعب دور مباشر عسكري في تدمير كيانات الهلال الخصيب وتبديد مجتمعاتها، أي إفراغها لكي يأخذ مشروع الدولة البهودية مداه وشكله النهائي ! بكلام صريح وواضح، من نافلة القول أن المستعمرين الإسرائيليين ومعهم الولايات المتحدة الأميركية ليسوا بحاجة لمن يدافع عنهم ضد هجوم غير محتمل أصلاً، لأنه ببساطة ليس بمقدور الفلسطينيين والسوريين والعراقيين والمصريين والأردنيين ! مجتمعين أو متفرقين . فما يلزم المستعمرين الإسرائيليين في الحقيقة، هو «إلغاء» المقاومة،  إجهاضها، خنقها، منعها، تحريمها، إعلان الحرب عليها ! لأن المقاومة تضعف وتتلاشى مادياً وفكرياً عندما تفرض عليها معارك داخلية دفاعاً عن وجودها، في حين أنها تزداد قوة وبأساً وصلابة وتجربة وحكمة من خلال التصدي للمستعمر .
كيف تكون حركات المقاومة الوطنية ضد المستعمر، إرهابية في نظر هذا الأخير وإرهابية في الوقت نفسه، بحسب فهم السعوديين ومن لف لفهم؟ هذه هي المعادلة العبثية التي تفرضها علينا في الواقع الولايات المتحدة الأميركية وتوكل المملكة السعودية بدور ملاحقة «المقاومة الإرهابية» والقضاء عليها . علماً أن المملكة لا تملك منطقياً أية مصداقية في النضال العربي في ميدان التحرير الوطني والإستقلال.
كانت السلطة الإيرانية في عهد الشاه، كمثل حكام تركيا في الراهن، إسلامية  شيعية، هذا لم يمنعها من إقامة علاقات طبيعية مع دولة المستعمرين الإسرائيليين . كنا نسمع آنذاك أن إيران شرطي الخليج، ولكن من المعروف أن هذا لم يكن مصدر إزعاج أو قلق لحكام الرياض الإسلاميين الوهابيين، حتى عندما كانت القوات الإيرانية تحارب الثوار  في إقليم ظفار دعماً للسطة السلطانية في عمان . لماذا إذاً تناصب السعودية إيران العداء توازياً مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية وإسرئيل، أن إيران الشيعية، تمثل خطراً على أمنهما القومي ؟ وأمن السعودية ودول الخليج السنية . ما هذا التلاعب المنفر في العقيدة الدينية ؟
إحتل الإسرائيليون جنوب لبنان في سنوات 1980، لم تعلن المملكة السعودية  الحرب على المستعمرين الإسرائيليين دفاعاً عن سكان الجنوب . ولكن لا بد من الإعتراف بأن هؤلاء قاوموا بمساعدة إيران وسورية، بأساليبهم ووسائلهم حتى رحيل آخر جندي إسرائيل عن أرضهم . فما هي الشرعية التي تمنح السعوديين حق الحكم على هذه المقاومة بالإرهاب وتصنيفها مذهبياً، كون أكثرية سكان الجنوب من المسلمين الشيعية، وقومياً، كونها تلقت الدعم بكل أسباب القوة، من إيران والإيرانيون بحسب المفهوم  السعودي، هم من الفرس ! القدس عروس عروبتكم .. لماذا أدخلتم كل زناة الأرض إلى حجرتها، السلام على روح الشاعر مظفر النواب !
أنا على يقين من أن هذه كلها نذر شؤم بحرب لا تبقي ولا تذر . فلا يمكن وقفها  إلا بالعقل والتفكير، ولكن العقل معصوب في بلداننا والتفكير محرم منذ القدم !



الأكثر قراءة

جبهة الجنوب تترقب «عض الأصابع» في الدوحة... وجيش الإحتلال في محنة سفراء «الخماسيّة» يُروّجون لمرونة وهميّة: تهيئة الأرضيّة لما بعد الحرب! «بضاعة» باسيل كاسدة مسيحياً... برودة في بكركي... وسلبيّة «قواتيّة» ــ «كتائبيّة»