اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

سنة 1936 وبعد وعد بلفور بحوالى 30 سنة، اعلن رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل في ذلك الزمن، اثر سؤاله لماذا يقوم الجيش البريطاني بقمع الانتفاضة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني يدافع عن ارضه وعن وجوده: «انا لستُ نادما على تهجير الهنود الحمر من الولايات المتحدة، ولستُ نادما على تهجير ذوي البشرة السوداء من اوستراليا، ولستُ نادما على تهجير الفلسطينيين من «اسرائيل»، لان الشعوب التي تحل محل الهنود الحمر وذوي البشرة السوداء والفلسطينيين هي شعوب متقدمة حضارية علمية وتمارس الديموقراطية».

من خلال هذا التصريح البشع والوقح وغير الانساني وغير الاخلاقي، يظهر تماما ان «اسرائيل» ومنذ نشوئها واحتلالها لفلسطين المحتلة وحتى اليوم، هي قضية الحلف الاطلسي، وقد ظهر في التعاطي بشأن قضية فلسطين ان قرارات الامم المتحدة لم يتم تنفيذها، فلم ينفذ القرار 242 ولا القرار 332 ولا القرار 425 ، وهي قرارات ثلاثة تتعلق بانسحاب جيش العدو الاسرائيلي من الاراضي التي احتلها في حرب 1969 . واما القرار 425 فهو يتعلق بانسحاب «اسرائيل» من الشريط الحدودي، التي بقيت تحتله اكثر من 18 سنة بشكل متواصل، الى ان استطاعت مقاومة حزب الله والقوى المساندة لها تحرير الشريط الحدودي، وكانت القدرة الكبيرة لتحرير الشريط الحدودي تعود الى مقاومة حزب الله.

عندما يجري الحديث في المنتديات الدولية من الولايات المتحدة الى بريطانيا الى الحلف الاطلسي كله، لا يجري الحديث عن فلسطين كارض سليبة احتلها «الاسرائيليون»، بل يجري النقاش دائما في المنتديات السياسية على ان امن «اسرائيل» وقوتها وسيطرتها وديمومتها هي الاساس. فالفرنسيون صنعوا «لاسرائيل» القنبلة النووية، والاميركيون قدموا اكبر ترسانة عسكرية حربية جوية وبحرية وبرية لجيش العدو الاسرائيلي. كذلك قدموا كل التمويل بمئات المليارات «لاسرائيل» كي تبقى متفوقة في كل المجالات.

يتضامن الحلف الاطلسي كله مع الكيان الصهيوني، من خلال البوارج التابعة له، وبخاصة للولايات المتحدة، التي ارسلت ترسانتها الى البحر المتوسط عند بدء عملية الطوفان في غزة ، منها حاملتا طائرات احداهما حاملة طائرة جيرالد فورد، وهي حديثة جدا وكلفت 13 مليار دولار، وهي مطار عائم، وتحمل 76 طائرة من طراز أف 35 الشبحية، وهي احدث طائرة حاليا في العالم.

ان «اسرائيل» هي قضية الغرب، وهي قضية الحلف الاطلسي. وعندما يجري الحديث عن فلسطين، فانه يجري من خلال واقعها تجاه العدو الاسرائيلي، وليس من خلال الحفاظ على الشعب الفلسطيني المظلوم والمعذب.

واذا عدنا الى القمة العربية الاسلامية، فان البيان الختامي ورد فيه 10 مرات كلمة ادانة. لكن في السياسة العميقة لدراسة البيانات، فان البيان هو اميركي المضمون وفيه مراعاة كبيرة للسياسة الاميركية المنحازة الى اقصى حد الى»اسرائيل».

وهنا لا بد من التذكير ان ما قام به وزير الحرب «الاسرائيلي» ارئيل شارون تجاه قطاع غزة من ابادة والغاء المصارف والحصار الكبير الجاري على القطاع، لم تقبل الولايات المتحدة في مجلس الامن ادانة هذه العملية البربرية الوحشية في قطاع غزة. وعندما ينتفض اليوم اهل غزة ضد الحصار عليهم ويقوم بعملية في غلاف غزة لفك الحصار، يستنفد الحلف الاطلسي كل قواته، ويُتداول في المنتديات السياسية ان «اسرائيل» تعرضت لخطر وجودي، ويجب دعمها بكامل القوى كي تصمد في وجه عملية عسكرية محدودة، فيقوم الاعلام الصهيوني بتزوير الحقائق فينشر افلاما منسوخة كاذبة وصورا كاذبة عن ذبح اطفال «اسرائيليين» واغتصاب نساء مسنات.

كنا ننتظر من القمة العربية الاسلامية ان تتوجه الى مجلس الامن الدولي والطلب اليه اتخاذ قرار سريع بوقف التدمير الوحشي والهمجي الذي يتعرض له قطاع غزة. لكن للاسف، القمة على ما جاء في بيانها وفي خطاباتها كان دون المستوى، باستثناء الجمهورية الاسلامية الايرانية. بيان القمة العربية الاسلامية لم يكن على مستوى جرائم الحرب التي ترتكبها «اسرائيل»، فقد قام جيش العدو الاسرائيلي بمزيد من التدمير، وفي الساعات الاخيرة الماضية، قام بتدمير مستشفى الشفاء الذي فيه مئات المرضى، خاصة الاطفال المصابون بمرض السرطان.

كان المطلوب من القمة تقديم شكوى الى مجلس الامن الدولي ، والطلب منه اصدار قرار دولي لوقف اطلاق النار فورا في قطاع غزة، وانسحاب «الجيش الاسرائيلي» واجراء تبادل الاسرى، مقابل الافراج عن كافة الاسرى الفلسطينيين الذين مضى على بعضهم 30 سنة في السجون «الاسرائيلية».

في القرن العشرين والقرن والواحد والعشرين، تحصل اكبر واعظم جرائم الابادة ضد الشعب الفلسطيني، والمقاومة تدافع بكل قواها في قطاع غزة ضد جيش العدو الاسرائيلي ، الذي وصل عدده الى اكثر من 400 الف جندي ومحملا بكل انواع الاسلحة، كما يقوم الطيران «الاسرائيلي» بتدمير قطاع غزة بكامله، ومع هذه الوحشية اكتفت القمة العربية الاسلامية باصدار بيان كررت فيه 10 مرات كلمة ادانة.

ان «اسرائيل» هي قضية الحلف الاطلسي في الدرجة الاولى، والموفدون الاميركيون الذين يأتون الى المنطقة، سواء وزير خارجية اميركا انطوني بلينكن الذي اجتمع بوزراء خارجية الدول العربية، اضافة الى ارسال موفد اميركي الى لبنان، وغيرهم كلهم يحملون تهديدات ويؤكدون الدعم المطلق من الولايات المتحدة «لاسرائيل».

ما يهمّ الحلف الاطلسي ان تخرج «اسرائيل» منتصرة، وان يتم البحث فيما بعد في حرب غزة، على اساس ان الحلف الاطلسي و»الجيش الاسرائيلي» يعتقدان انهما سينتصران في قطاع غزة في نهاية المطاف، وهو امر مستبعد وباذن الله قد يكون غير وارد كليا.

اما بشأن الجبهة الجنوبية في لبنان مع فلسطين المحتلة، فكل مسعى الولايات المتحدة يتم تنسيقه مع العدو الاسرائيلي الذي يريد تركيز كل قواته على قطاع غزة، فيما قيادة حزب الله تعرف توقيت دخولها الحرب تماما. والعملية هي قصة توقيت، وليست قصة انفعال، وليست قصة مشاعر وعواطف فقط، بل قضية مواجهة شاملة مع الكيان الصهيوني ومع الحلف الاطلسي، الذي حشد كل بوارجه وحاملات طائراته على شواطىء فلسطين، والى حد ما مقابل شواطىء لبنان.

لذلك، فان التوقيت متروك لقيادة حزب الله، وهي العارفة بالحرب وشؤون الحرب ونتائج الحرب، وهي من تقرر توقيت الحرب متى لزم الامر وعندما تدق الساعة، وهذه الساعة هي ساعة انطلاق النصر على الكيان الصهيوني من الحدود الجنوبية باتجاه شمال فلسطين المحتلة.

شارل أيوب

الأكثر قراءة

كيف منعت إيران الحرب ضدّ لبنان؟