اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


إنخفاض خطر المواجهة الشاملة من 90 الى 10 بالمئة ؟!


يجيد حزب الله قراءة المشهد الداخلي "الاسرائيلي"، وهو يملك جهازا متخصصا في رصد وتحليل، وفرز المعلومات المتاحة علنا وغير المتاحة، التي يحصل عليها من خلال قنوات استخباراتية ذاتية وصديقة، ولهذا يشعر راهنا بالكثير من الاطمئنان لوجود حكومة الحرب وقيادة الجيش "الاسرائيلي" في زاوية ضيقة سياسيا وميدانيا، بما يبعد شبح الحرب الواسعة عن لبنان، حيث تضاءلت نسبة هذا الاحتمال الى ما دون العشرة بالمئة، بعدما وصلت تلك الاحتمالات خلال بداية الحرب على غزة الى 90 بالمئة، وانخفضت قبل شهرين الى 50، واليوم باتت مستبعدة اذا لم يحصل اي حدث من خارج سياق التوقعات المنطقية للاحداث. ولهذا بدأت الاستعدادات "لليوم التالي" للحرب داخليا وعلى الحدود.

ووفقا لمصادر سياسية مطلعة، زادت هذه القناعة لدى حزب الله اكثر، مع اختلال العلاقة الثنائية بين الادارة الاميركية ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو، حيث يستعر الخلاف على الاولويات، وتضارب المصالح الانتخابية للرئيس جو بايدن مع الشخصانية، "والانا" التي يدير بها نتانياهو الحرب في غزة، وهو بات بحاجة الى معجزة كي يقنع واشنطن بمساعدته لخوض حرب مفتوحة مع حزب الله، الذي نجح في ايصال "رسائل" عسكرية وامنية قاسية ومؤلمة في حربه الاستباقية على الشريط الحدودي، دون ان يضطر الى كشف ما في جعبته من مفاجآت، بات يدرك "الاسرائيلي" ان ما خفي منها "اعظم".

هذه الاريحية في الموقف على الجبهة بفعل توازن الرعب ، يفسر عدم نجاح الضغوط الخارجية في ثني حزب الله عن موقفه، ودفعه لتقديم تنازلات عملية او "شفهية"، ولهذا فهو سيتحرك داخليا في المقبل من الايام، حيث لا يزال محصنا بتفهم كبير من ضمن البيئة الحاضنة، التي تدفع اثمانا باهظة ماديا ومن دماء ابنائها، لكنها على قناعة راسخة بجدوى هذه المواجهة وحتميتها في هذا التوقيت، باعتبار انها حرب "اللاخيار" واهون الشرور في مواجهة كيان "مجنون" وقاتل خرج عن طوره، وكان لا بد من عقلنته وتأديبه لمنعه من ارتكاب خطوات متهورة، عبر ترجمة الاستراتيجية الردعية على ارض الواقع.

والحزب مرتاح في البيئة السنية، حيث زاد الدعم له في اوساط شريحة كبيرة كانت تناصبه الخصومة وحتى العداء بسبب موقفه الداعم لغزة، وثمة تقدير كبير لموقف النائب السابق وليد جنبلاط ، الذي أعلن انحيازه منذ اليوم الاول للفلسطينيين، وابدى تفهما كبيرا لحرب "ذكية" يخوضها الحزب دون جر لبنان لمعركة شاملة، وهو يشيد في مجالسه الخاصة بالنتائج المحققة حتى الآن.

اما الموقف المسيحي شبه الموحد، باستثناء "تيار المردة" وعدد من الحلفاء، في رفض وحدة الساحات ومناصرة الفلسطينيين عسكريا، بعد انضمام الرئيس السابق ميشال عون والنائب جبران باسيل الى بكركي "ومعراب" و"الكتائب"، في رفض ما يعتبرونه توريطا للبنان في الحرب، فلا يقلق كثيرا حزب الله باعتباره لا يغير الكثير على المستوى الميداني، خصوصا ان مواقف البطريرك الراعي وجعجع والجميل غير مفاجئة ومتوقعة، وتعكس قناعاتهم غير المستجدة، لكنها تبقى مجرد خلاف في الرأي، ويمكن "هضمها" بما انها لم تتحول الى فعل اعتراضي عملاني على الارض، بغياب اي دعم خارجي جدي لتحرك مماثل. ولهذا ستهدأ الامور بعد وقف النار، وعندما يكتشف هؤلاء ان الحزب ليس بوارد استغلال الجبهة الجنوبية لمصالح سياسية ضيقة، وسينزلون عن "شجرة التصعيد".

اما موقف "التيار الوطني الحر" فهو ظرفي، ولا يشكل ازمة جدية في العلاقة الاستراتيجية التي تعكسها قناعات عدد لا يستهان به من قيادات التيار وجمهوره، وخصوصا الرئيس عون الذي سيستمع قريبا لوجهة نظر الحزب، في الزيارة المرتقبة لوفد قيادي يرأسه رئيس كتبة الوفاء للمقاومة محمد رعد، وعندها "لن تخلف في الود قضية".

في المقابل، تبدو الجبهة المقابلة منقسمة على نفسها داخليا، ورأس جبل الجليد الخلاف بين رئاسة الاركان في الجيش "الاسرائيلي" والحكومة، في ظل تبادل الاتهامات حول اسباب الاخفاق في الحرب، فيما الهوة مع واشنطن تتسع، وجاءت ترجمتها العملية بزيارة عضو الكابينيت بني غانتس الى واشنطن دون التنسيق مع نتانياهو. ووفقا لصحيفة "هآرتس" فان قرار الرئيس الأميركي دعوة غانتس خطوة استثنائية، تعكس التقليل من مكانة نتنياهو. ويبدو أن واشنطن تحاول جعل غانتس يضغط عليه لعقد الصفقة. وما زالت الإدارة الأميركية تعلق آمالاً كبيرة على عملية شاملة، صفقة لتبادل المخطوفين ووقف إطلاق النار، الذي سيؤدي بعد ذلك إلى إنهاء الحرب في القطاع، والبدء في نقاشات حول حل سياسي للقتال بين "إسرائيل" وحزب الله في لبنان. ولا يمكن استبعاد إمكانية حدوث مواجهة علنية في القريب بين الإدارة الأميركية ونتنياهو، مع اتهام "إسرائيل" بالمسؤولية عن فشل المفاوضات. وهذا قد يشمل استمرار التصعيد امتناع أميركا عن استخدام حق "الفيتو" ضد قرارات مناهضة لـ "إسرائيل" في مجلس الأمن، أو حتى إبطاء إرساليات السلاح!.

وفي هذا السياق، جاءت زيارة المبعوث الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت، لتكشف وجود ارباك حقيقي في الموقف "الاسرائيلي" من اندفاعة واشنطن لتهدئة على الحدود الجنوبية و بـ"أي ثمن"، ولهذا عاد الى "اسرائيل" دون ان ينجح بالحصول على ضمانة من حزب الله بشأن "اليوم التالي"، وخفض سقف مطالبه السابقة، ولم يحدد هذه المرة مدى جغرافي لإبعاد حزب الله عن الحدود، واكتفى بالحصول على تأكيد رسمي بالتزام حزب الله بوقف النار اذا دخلت هدنة غزة حيز التنفيذ، وتمسك لبنان بموقفه القائم على التزام "اسرائيل" اولا بتنفيذ القرار 1701، قبل ان ينفّذه لبنان او يلتزمَ به حزب الله.

وفي ظل هذه المعطيات، بدأ الحزب ورشة التحضير "لليوم التالي" للحرب، دون ان يخفض مستوى استنفاره لمواجهة اي مفاجأة غير محسوبة عسكريا، اعادة الاعمار تبقى اولوية، تحصين الردع على الحدود لا مساومة عليه، وفتح نقاشات داخلية على مختلف القضايا، يبدو ايضا انها على جدول اعمال قيادة حزب الله المنفتحة على الحوار دون "شروط مسبقة".