اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يستذكر اللبنانيون في 14 آذار من كل عام المشهد المليوني في ساحة النجمة، حيث نزل الشعب اللبناني بكافة تلاوينه الطائفية والمذهبية والحزبية، مطالباً بالإستقلال واسترداد الوطن من الوصاية الخارجية، وذلك على خلفية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وفي هذا السياق، يقرأ رئيس "لقاء سيدة الجبل" النائب السابق الدكتور فارس سعيد في الذكرى، ويشير لـ "الديار" إلى فارق كبير جداً بين 14 آذار 2005 و14 آذار 2024، "ففي العام 2005 تجسّدت الوحدة الداخلية اللبنانية حول فكرة لبنان، أما في 14 آذار 2024 عادت المكوّنات اللبنانية إلى مربعاتها الطائفية، ووضعت لنفسها أولويات مختلفة وليست متكاملة مع الأخرى، وفي 14 آذار 2005 تعلّمنا أن الوحدة الداخلية تصنع المعجزات حتى إخراج الجيش السوري من لبنان بدون ضربة كف، وفي 14 آذار 2024 نتعلم بأن الأولويات الطائفية على حساب الأولوية الوطنية تهدم لبنان، وفي 14 آذار 2005، وبالتحديد في تموز 2006 فاوضت حكومة لبنان مع الخارج وكان حزب الله خلف لبنان، اليوم يفاوض حزب الله مع الخارج ولبنان خلف حزب الله".

وحول عدم نجاح فكرة 14 آذار رغم التضحيات، يقول: "لا يوجد أي بلد عربي دخل بانتفاضة إلا وأتجهت باتجاه الإنتفاضة الكوفية وتحوّلت إلى انتفاضة دموية، ولم يحصل أي تغيير في العالم العربي إلا بالعنف، فقط تجربة 14 آذار في بيروت أزهرت تغييراً من دون عنف، وليس تفصيلاً أن تكون 14 آذار بوحدتها الداخلية التي تجسّدت على حدث تأسيسي إسمه استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وليس تفصيلاً أيضاً أن تكون أجبرت الجيش السوري للخروج من لبنان، وأيضاً ليس تفصيلاً أن تكون أحدثت توازناً بينها وبين حزب الله من 14 آذار 2005 حتى 7 أيار 2008 ، فلو كانت 14 آذار غير فاعلة ولم تعطِ نتائج، لم يكن الحزب مضطراً لاستخدام الخشونة والعنف لضربها، فقوتها اضطرته للذهاب إلى أساليب ووسائل غير كاثوليكية ـ بين هلالين ـ من أجل ضربها".

وبالنسبة لانفراط عقدها، يرى أن "أخطاء 14 آذار ومحاكمتها ومحاكمة قياداتها سيستمر، ويجب أن يحصل بجو أكاديمي وبجو مريح في يوم من الأيام، وتوضع فيها أطروحات، إنما المحاسبة من أجل التشفّي أو تصفية الحسابات تصبح من دون معنى، 14 آذار مثل أي تنظيم أو تجربة أو مبادرة سياسية ووطنية لديها نجاحات ولديها إخفاقات، ولكن أهم ما صنعته 14 آذار اليوم لم يعد موجوداً، هو أنها كانت تؤمن توازناً مع سلاح حزب الله، وأكبر دليل على أن هذا التوازن لم يعد موجوداً، أنه بعد انفراط عقد 14 آذار بات حزب الله يشكل مشروع غلبة على اللبنانيين، ولو استمرت الوحدة الداخلية ولم نذهب إلى مربعاتنا الطائفية، ولم تصبح حقوق المسيحيين والسنّة والدروز والشيعة فوق كل اعتبار، ربما كنا حقّقنا من التوازن مشروع غلبة على حزب الله، ولكن اليوم الحزب متفلّت من كل ضغط داخلي، والقوى السياسية وحدها، مهما كان حجمها ومهما كانت قدرتها المعنوية والسياسية، هذه القوى لا تشكل أي توازن مع حزب الله، بينما 14 آذار شكلت هذا التوازن معه".

وعن إمكانية عودة لبنان الذي عملت من أجله 14 آذار، قال: "أنا لا أرى لبنان إلا على صورة 14 آذار، وإلا هذا اللبنان يكون لبنان آخر، وأرى أن الوضع تجاوز الوضع الداخلي اللبناني، وأصبح جزءاً كبيراً من تحديد مستقبل لبنان يُقرَّر في الخارج لسببين: الأول الظروف التي تحكّمت بالمنطقة التي تجاوزت لبنان وقدرة اللبنانيين على التأثير فيها، ما عدا حزب الله الذي يمتلك قرار السلم والحرب في لبنان. والثاني، أن غياب النصاب الوطني الذي كانت تشكله 14 آذار، أيضاً أفقد لبنان قدرته على المبادرة، وأكبر دليل على ذلك أن موضوع رئاسة الجمهورية خرج من يد اللبنانيين، وخرج من يد القوى السياسية اللبنانية، وهو موجود باللجنة الخماسية والسداسية وغيرها، ولكن من الأكيد أنه غير موجود في لبنان، فلبنان في هذه اللحظة فاقد للتوازن الداخلي ولا قدرة له على التأثير في لعبة الأمم وفي اللعبة الإقليمية الكبرى".

وهل من المسموح توحيد لبنان كما تدعو دائماً؟ يجيب: "أنا مع وحدة الوطنيين بداخل كل طائفة مع بعضهم البعض، ولست مع وحدة الطوائف، ففي 14 آذار توحّد اللبنانيون، وتغلّبوا على من كان رافضاً للوحدة، وتوحّدوا في الـ 43 وانتصروا على من رفض الوحدة، وبالتالي لبنان ليس عصياً على التوحّد شرط أن يقود عملية توحيدهم فكر لبناني صافي يتجاوز المصالح الحزبية والطائفية".

وبالنسبة لطرح البعض عن إيجاد صيغة ما ليعيش كل طرف معتقداته، يسأل سعيد هل بإمكانهم تحقيق ذلك فليتفضّلوا، فمن لديه القدرة على تنظيم حياته بمعزل عن الآخر في لبنان، على قاعدة أن الصيغة اللبنانية غير صالحة وهو باحث عن صيغة جديدة، ليسعى إلى تحقيقها إذا كان بإمكانه ذلك، أنا لا أرى أي مصلحة لبنانية إلاّ من خلال التمسك بالدستور وباتفاق الطائف، وكل من يتكلم عن تغيير السلطة والدستور ووثيقة الوفاق الوطني في لحظة اختلال التوازن الذي نعيشه في غياب 14 آذار يخدم مصلحة السلاح".