اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

"قلت لهم في العام الماضي، وأقولها اليوم، كما على زحلة ما بيفوتوا، كذلك على بعبدا ما بيفوتوا". لا تستهينوا بالمواصفات البونابرتية للحكيم، ولا بمستشاريه الذين فاقوا بعبقريتهم، عبقرية تاليران وميترنيخ.

لكننا حقاً لا ندري من الوهلة الأولى من يقصد بالغزاة، ان لجارة الواد أو للقصر الجمهوري. السوريون أم الفلسطينيون أم الايرانيون؟ الأميركيون أم "الاسرائيليون"؟ اذ اشار الى بعبدا، لا نتصور أن الزغرتاويين يسرجون خيولهم للتوجه بنصال رماحهم ، من عرين الموارنة في الشمال الى عرين الكاثوليك في البقاع.

لا أحد من الأعداء يريد "اقتحام" القصر سوى سليمان فرنجية الذي يصفونه بـ"زلمة بشار الأسد". لا نعتقد أن الرئيس السوري يفكر باجتياح زحلة، فيما دمشق تحت الحصار الأميركي و"الاسرائيلي" والتركي و"الداعشي"، كما أن فرنجية ليس من موارنة قبرص (أو المريخ)، انه من موارنة اسطفان الدويهي ويوسف بك كرم.

للوهلة الثانية، يبدو أن الدكتور سمير جعجع يقصد أولئك الذين سلّمت الدولة الغراء مفاتيح بيوتهم الى بهلوانيات ياسر عرفات، وسلّمت أرواحهم الى صواريخ الكاتيوشا التي كانت "اسرائيل" ترد عليها بتحويل القرى وحتى المدن الى مقابر، وأولئك الذين وضعتهم "القوات اللبنانية" بين براثن آرييل شارون، ليغسلوا التراب المقدس بدماء أبنائهم، ويهزموا بالأيدي العارية "الجيش الذي لا يقهر".

هل الدولة اللبنانية، التي نامت قريرة العين على القرار 425 ، هي التي حررت الجنوب من الأقدام الهمجية؟ وهل يتصور قائد "القوات" أن الذين يدكّون كريات شمونة ونهاريا فكروا يوماً بدكّ مدينة زحلة واحتلالها؟

زحلة التي ترعرعنا في مدارسها، وقد عرفنا فيها من هو وما هو السيد المسيح، وعرفنا من هو تيار دو شاردان، كما عرفنا من هو هوغو وفولتير، ومن هو موزارت وليوناردو دا فينشي. لم نعرف فيها لا حسن البنا (ولقد قال جعجع عن سوريا "فليحكمها الاخوان المسلمون" الذين دعوا الى تسريح الأقباط، وهم جزء من روح مصر من الجيش وفرض الجزية عليهم)، ولا أبا بكر البغدادي الذي كان حلمه رفع الرايات السوداء على قصر بعبدا.

زحلة سعيد عقل وجوزف صايغ والمعالفة، مثلما هي زحلة أحمد شوقي ومحمد عبد الوهاب، وزحلة نجوى كرم وحتى شاكيرا، لا يمكن أن تكون تورا بورا ولكن بربطات العنق، ولا يمكن أن تكون "الغيتو". لطالما غرزت في رؤوس طلابها الذين وفدوا اليها من كل الأرجاء، ثقافة الخيال وثقافة الأفق. قال لنا صاحب "بنت يفتاح "ان "طرقاتها وعيون نسائها تمتد الى... القمر"!

هنا الخطر على مدينتنا. أن يستولي عليها من هم برأس وحيد القرن، وبذهنية وحيد القرن، بعدما كانت وتبقى اللؤلؤة في قلوبنا. كم حلمنا وكم تسامرنا وكم تعذبنا (عشقاً) على ضفاف البردوني؟ كيف لأبناء الطوائف الأخرى، وحتى لأبناء الأحزاب الأخرى، أن يعيشوا دون تلك الضفاف، ودون ذلك الهواء الذي قال اياه انه يتنشق فيه رائحة الله...؟

هذه هي زحلة التي قرأ لنا فيها شفيق المعلوف قصائده، وروى لنا شكري البخاش بين أكوام الكتب والصحف تاريخ عائلاتها، والكثير الكثير منها وفد من سوريا. العائلات التي لم تعرف يوماً الانغلاق أو التقوقع.

من لا يعلم من يسعى لوضع اليد سياسياً وحزبيا عليها، ومن يطبق على الألق فيها كحاضرة لمن يبحث عن الكلمة، وعن سهرة مع ضوء القمر لكأنها السهرة مع الدهر. قطعاً، لا يمكن أن نكون أعداء لـ "القوات"، وكلنا ننتمي الى هذا التراب، وحين يكون الشعار هو الصليب الذي علّق عليه السيد، وقد افتدى البشرية كلها، وقام (وهذه أيام القيامة) من أجل البشرية كلها. الاحتلال بقانون انتخاب هو ذروة الهرطقة، ان لم نقل ذروة المكيافيلية الدستورية والسياسية والوطنية.

لبنان ان لم يكن التنوع والانفتاح والتفاعل، فهو "الغيتو"، وهو المقبرة. لا أدري كيف كانت ردة فعل النائب جورج عقيص، وهو ابن ايلي عقيص، القومي الاجتماعي بالثقافة المترامية وبالرقي، الذي جلّ أصدقائه وأنا منهم من الطوائف الأخرى ومن الأحزاب الأخرى، على شعار "هؤلاء لا يشبهوننا"، وهو القاضي النزيه والممتلئ بمقعده الحزبي (الطائفي)، والذي لا يتيح له أن يزور أهلاً أو بيتاً من طائفة معينة حتى في مسقط رأسه.

كل لبنان أيها الحكيم، وكنا أصدقاء لسنوات، تحت الاحتلال (الاحتلالات). حبذا لو تنظر جنوباً بعين المسيحي، وعين اللبناني ـ وبمنأى عن يوميات التفاهة في الساحة السياسية ـ لترى أي نوع من البرابرة يهددون ويحلمون بأن لا يكون لنا جميعاً أي أثر....

الأكثر قراءة

الورقة الفرنسيّة المعدّلة عند بري... وحزب الله يُحدّد ملامح «اليوم التالي» التعديلات تتضمّن إعادة «انتشار» لا انسحاب للمقاومة... ماذا عن ملف الغاز ؟ توصية المعهد القومي «الإسرائيلي»: لا تغامروا بحرب شاملة في الشمال !