اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ذات يوم قال لي روبرت فيسك "لا أدري لماذا العرب أميركيون الى هذا الحد، ولماذا الايرانيون معادون لأميركا الى هذا الحد". اتصال وزير خليجي سابق بي أعادني الى ذلك الكلام. الوزير قال "انصح أصدقاءك الايرانيين (لا أدري ما اذا كانوا يعتبرونني صديقاً) باعادة النظر في سياساتهم حيال المنطقة لأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن اسرائيل، ولو كان من يحكمها الشيطان، لا بنيامين نتنياهو الذي، في نظري، أسوأ من الشيطان".

اضاف "لا شك أن الايرانيين ورثة حضارة كبرى، وأنهم يتمتعون بمزايا جعلت منهم قوة مؤثرة، فيما نحن، كعرب، نمضي، أكثر فأكثر، نحو الاضمحلال الاستراتيجي وحتى الاضمحلال التاريخي. ولكن ألست معي في أن الايرانيين يستهلكون أوقاتهم، وامكاناتهم، بالدخول في تلك المتاهة التي تدعى... أزمة الشرق الأوسط؟".

في رأيه أن الايرانيين كان يمكن أن يكونوا أكثر تأثيراً لو انتهجوا سياسات تغلب فيها اللغة البراغماتية على اللغة الايديولوجية التي أثارت حولهم كل أولئك الأعداء. حتى اذربيجان الشيعية التي تتداخل جغرافياً، وتاريخياً، مع ايران تحولت الى قاعدة اسرائيلية لتكون قنبلة في الظهر.

حديث عن الموقع الجيواستراتيجي الحساس لايران بين الشرق الأقصى، وهو حلبة الصراعات الكبرى، والشرق الأوسط، وهو الفناء الخلفي (والنفطي) لتلك الصراعات.

أسال ماذا فعلت أميركا للعرب الذين يستضيفون القيادة العسكرية الأميركية، بصلاحياتها العملانية التي تمتد الى آسيا الوسطى، والى أجزاء من جنوب آسيا، ناهيك عن القواعد الأخرى؟ أكثر من ذلك، ألم يضعوا ثرواتهم، ورؤوسهم، وعروشهم، بين يديها، وهي التي تحول دون البلدان العربية والدخول، ولو على رؤوس الأصابع، الى الزمن التكنولوجي. كل ذلك ليبقوا تحت خط الزمن. تالياً تحت أقدام الحاخامات، كديناصورات بشرية...؟

أسأل أيضاً... أين المنطق حين تقدم كل تلك المساعدات العسكرية، والمساعدات المالية، الهائلة لاسرائيل لكي تضرب العرب، وتستولي على أرض العرب، وتقتلع العرب بل وتقتلهم، بدعوى توراتية هي الخرافة بذاتها، وهي الهذيان بذاته؟ باقتضاب، نحن في أقصى حالات الذل، وكان يفترض نكون على أبواب القرن، بكل تألقه، لا على أبواب القرون الوسطى بثقافة الغيب وبثقافة الغيبوبة.

حجة الوزير الخليجي أن الايرانيين، مثل الأتراك يلعبون جيوسياسياً في المنطقة من أجل حلم أهالت عليه القوى العظمى الكثير من التراب (ومن النسيان). احياء أمبراطوريات دالت، دون أن ياخذوا الأمثولة من التاريخ حين يتقيأ أمبراطورية ما لتختفي الى الأبد.

لا ديناميات التاريخ، ولا ديناميات الجغرافيا، في نظره، تعيد عظام الأباطرة الى الحياة. القتال بعظام هؤلاء بعيد جداً عن أن يكون لغة العصر التي تقتضي البحث عن أي باب لبناء الذات انسانياً، وتقنياً، وحتى سوسيولوجياً، برؤية أخرى، وبمفاهيم أخرى.

الوزير يعتبر "أن "المؤسسة اليهودية"، وبغياب كامل ومنطقي للمؤسسة المسيحية، وللمؤسسة الاسلامية، تمكنت من الاختراق الايديولوجي، واالسياسي، والاختراق المالي، للطبقة العليا من الكرة الأرضية. وقد شاهدنا ذلك أثناء، وبعد، الهجوم الايراني على اسرائيل، وكيف هبّ الغرب كله للمشاركة، أو للتنديد، حتى بدا كما لو أن الايرانيين يضربون نيفادا، أو الكوت دازور، أو قصر بكنغهام، لا بعض الأهداف العسكرية في اسرائيل".

سؤاله "أين كان الحلفاء (الحلفاء الاستراتيجيون) الروس والصينيون في تلك الليلة حين كانت المسيّرات والصواريخ الايرانية تنفجر في الجو بالمضادات الأميركية والبريطانية، وحتى بالمضادات الأردنية (يا لعارنا !!)؟".

في رأيه، أن حرب غزة "أثبتت، بما لا يقبل الشك، أن اسرائيل ساقطة عسكرياً، وأخلاقياً، وانسانياً، ولولا أميركا لحزم الاسرائيليون حقائبهم، وعادوا من حيث أتوا. لكنها أميركا التي نضطر لوصفها بالمستعمرة التوراتية.

سألته ما اذا كان يفترض بالايرانيين الوقوف مكتوفي الأيدي. أجاب "هم من استخدموا مصطلح "الصبر الاستراتيجي". لا يعني ذلك الانزواء، ولكن أن يتخلوا عن "اللوثة الجيوسياسية"، ويبنوا دولة على غرار كوريا الجنوبية. المستقبل للمصانع، وللأسواق، لا للخنادق".

لا أتصور أن الايرانيين بحاجة الى نصيحتي. لكنني أدعوهم، لمواجهة البربرية الاسرائيلية، أن يصنعوا القنبلة في الحال...

الأكثر قراءة

عرب الطناجر...