اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



أنفقت المملكة العربية السعودية خلال يومين زارها فيهما الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب قبل أن يقوم العاهل السعودي بزيارة الولايات المتحدة بعد انتخابه رئيساً لأميركا، مليارات الدولارات  للإتفاقات التي جرى توقيعها بين الجانبين لإقامة مشاريع مستقبلية بين البلدين... وكلّ ذلك من أجل أن يُعلن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمام الرأي العام العالمي الذي كانت أنظاره متوجّهة الى القمم الإسلامية- الأميركية، وأمام ضيفه العزيز أنّ «إيران هي رأس الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني»، ومن أجل أن ينتزع من هذا الأخير لقاء كلّ الهدايا التي أغدقها على ترامب وعائلته عبارة أنّ «إيران هي المسؤولة عن عدم الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط»، وذلك بهدف تبرئة السعودية وقطر وإسرائيل وإقناع العالم بأنّها ليست هي من أبرز الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية لا سيما «داعش» في منطقة الشرق الأوسط، بل إيران.
وما يهمّ لبنان واللبنانيين فعلاً ليس إيران بحدّ ذاتها، بقدر ما يهمّهم وضع «حزب الله» المحسوب عليها ومستقبله لا سيما وأنّه شريك في الحياة السياسية والعسكرية في البلاد. وهو لن يتوقّف عن القيام بهذا الدور، على ما تشرح أوساط ديبلوماسية بارزة، لمجرّد أنّ ترامب قد أعلن من السعودية أنّ إيران هي التي تزعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط وأوكل الى المملكة شخصياً السيطرة على العالم العربي لكي تحميه من المجموعات الإرهابية.
والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا: كيف لبلد شيعي مثل إيران يريد نشر الإسلام الشيعي في العالم أن يدعم ويموّل تنظيمات إسلامية سنيّة تريد إقامة دولة متطرّفة على أجزاء من دول المنطقة عن طريق العنف والقتل والتشريد والإستيلاء على ممتلكات الآخرين، علماً أنّها تريد إلغاء سائر المذاهب والطوائف ليسود الإسلام السنّي المتطرّف؟ علماً أنّ هذه التنظيمات لم تُعلن يوماً عن أنّ السعودية أو دول الخليج أو حتى إسرائيل ستكون هدفاً لها كونها لا تُجاريها في تطبيق النظم والقوانين التي تقوم عليها الدولة الإسلامية السنيّة المتشدّدة، بل هي لا تلبث أن تُهدّد الشيعة (وقد سبق لها أن ضربت «حزب الله» في الضاحية الجنوبية من خلال القيام باعتداءات إرهابية على المواطنين فيها) كما المسيحيين عندما قامت بأعمال تفجيرية إنتحارية في بلدة القاع.
في المقابل، يملك مسؤولون أجانب معلومات عدّة عن تمويل خليجي للتنظيمات المتطرّفة، على ما أكّدت الأوساط نفسها، وقد كشف «موقع ويكيليكس» عن نصّ رسالة وجّهتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في بداية العام 2014 عندما تركت منصبها، الى مدير حملتها الإنتخابية جون بوديستا. وتقول هذه الرسالة الإلكترونية إنّ «حكومتي السعودية وقطر تموّلان تنظيم «داعش». فيما لم يسبق للولايات المتحدة أن أعلنت عن مسؤولية إيران في زعزعة أمن المنطقة أو في تمويلها لتنظيم «داعش»، وإن كانت تعتبرها تُغذّي «الإرهاب» كونها تُصنّف «حزب الله» في لبنان منظمة إرهابية»، بحسب وجهة نظرها.
وبرأيها، لو كانت إيران تقوم فعلاً بتمويل تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، فلماذا أرسلت الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي «حزب الله» لمحاربته هناك؟ وأليس من الصعب التصديق أنّ هدفها كان محاربة قوّات النظام السوري الذي تدعمه بنفسها؟ ثمّ ألم تتحدّث بعض التقارير العالمية عن خلق الولايات المتحدة الأميركية لـ «داعش» كتنظيم سنّي متطرّف من أجل القضاء على المجموعات التي تعتبرها إرهابية مثل «حزب الله» في لبنان؟!
الإتهامات المتبادلة كثيراً، تقول الأوساط، ولكن ما ظهر للعيان من خلال زيارة ترامب التاريخية الى السعودية، أنّ المملكة أرادت شراء صوت ترامب كرئيس أهمّ دولة في العالم في المرحلة الحالية لصالحها، وتحديداً ضدّ إيران. غير أنّ «حزب الله» المصنّف إرهابياً من قبل الولايات المتحدة منذ العام 1995، فلن يتأثّر سلباً من ممارسات الرئيس الأميركي ولا حتى من العقوبات الأميركية التي يُحاول الكونغرس من خلالها شدّ الخناق على الحزب وحلفائه.
ولهذا فلا يُمكن بالتالي أن تؤثّر تصريحات ترامب على الواقع اللبناني الداخلي، على ما أضافت، ولا على قانون الإنتخاب الذي يجب أن يُبصر النور قبل 19 حزيران الجاري لتجنيب البلاد الفراغ التشريعي. فلا أي طرف ينجرّ اليوم الى خيار النسبية لأنّه يخشى الحزب أو سلاحه، على العكس تماماً، فإنّ كلّ مكوّن سياسي يُناقش القوانين المطروحة بحسب حساباته وخياراته التي لا علاقة لها بكون الحزب شريكاً «مسلّحاً» في الحياة السياسية. كذلك فإنّ موافقة الحزب على اعتماد قانون النسبية مع إعادة تقسيم الدوائر تجعله لا يحيد عمّا نصّ عليه «اتفاق الطائف» في هذا الإطار، الأمر الذي على الآخرين تلقّفه والقبول به قبل انتهاء المهل القانونية المحدّدة.
في الوقت ذاته، فإنّ الكثير من هذه المكوّنات السياسية يعترف بأنّ «حزب  الله» هو «مقاومة» وليس ميليشيا وقد ساهم مرّات عدّة في الدفاع عن لبنان ودرء الخطر والعدوان عنه، وإن كان البعض يتهمه بجرّ حرب تموز- آب 2006 اليه. غير أنّ وجود الحزب كقوّة مسلّحة قادرة على منع إسرائيل أو على الأقلّ جعلها تفكّر مئة مرّة قبل أن تُفكّر بشنّ حرب جديدة على لبنان، هو أمر يُطمئن هذه المكوّنات ويجعلها تدعم بقاءه داخل الحكومة والمجلس النيابي.
كذلك فإنّ الحزب، في المقابل، قد لا يجد في مواقف ترامب أي جديد، ما دام يعود الى حقبة تصنيف الحزب بالمنظمة الإرهابية من قبل الكونغرس الأميركي ولا تزال هذه الصفة هي نفسها ملتصقة به منذ 22 سنة من دون حصول أي تغيير من قبل الإدارة الأميركية. كذلك سبق وأن اتخذت الجامعة العربية قرار تصنيف الحزب بالمنظمة الإرهابية رغم تحفّظ لبنان عن ذلك بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية التي يتمتّع بها كون الحزب مشارك في الحياة السياسية فيه.من هنا، تجزم الأوساط نفسها أنّ «حزب الله» لن يتأثّر بشكل مباشر بالمواقف التي اتخذتها المملكة أو ترامب في السعودية بحقّه، فهو يعلم تماماً مدى أهمية دوره في لبنان، أيّاً يكن الحلّ الشامل للأزمة السورية. علماً أنّ المسؤولين الدوليين لن يتوصّلوا الى أي حلّ ما لم يُجفّفوا منابع التمويل عن التنظيمات الإرهابية فيها والتي لا علاقة لإيران بها وهم يعلمون ذلك تماماً وإن كانوا يُعلنون عكسه، ولهذا عليهم أن يتصرّفوا على هذا الأساس.



الأكثر قراءة

جبهة الجنوب تترقب «عض الأصابع» في الدوحة... وجيش الإحتلال في محنة سفراء «الخماسيّة» يُروّجون لمرونة وهميّة: تهيئة الأرضيّة لما بعد الحرب! «بضاعة» باسيل كاسدة مسيحياً... برودة في بكركي... وسلبيّة «قواتيّة» ــ «كتائبيّة»