اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تشغل عودة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الى بيروت لإحياء الذكرى الـ 19 لاغتيال والده الشيخ رفيق الحريري، الساحة السياسية الداخلية والخارجية، إذ تتجه الأنظار الى تحرّكه ونشاطه وكيفية تصرّفه، وربّما الى كلّ كلمة تصدر عن لسانه. وإذ يرى البعض أنّ شيئاً لم يتغيّر في المعطيات التي أدّت الى تعليقه عمله السياسي ومغادرة البلاد للإستقرار خارجاً، لكي يرجع عن هذا الإعتكاف، يؤكّد البعض الآخر أنّ عودة الحريري الحالية لم تأخذ كلّ هذا الزخم وكلّ التحضيرات الكبرى لها، لو لم يكن هناك إشارة ما إيجابية من الخارج، لا سيما من السعودية أو من بعض دول "اللجنة الخماسية".

والحريري الذي عاد بـ "نيو لوك" في الشكل الخارجي، قد يكون أداؤه جديداً أيضاً، على ما تقول مصادر مواكبة لزيارته الى لبنان، التي استهلّها بنشاط سياسي بلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السراي الحكومي. وصحيح بأنّ المعطيات التي أدّت الى تعليقه العمل السياسي لم تتبدّل، إلّا أنّ ما أظهرته تجربة غياب الحريري لمدّة سنتين عن الساحة السياسية، هو عدم وجود توازن بين الطوائف. فلم تتمكّن أي قوّة سنية من نسج زعامة سنيّة كـ "الحريرية السياسية"، التي كانت قادرة على التفاعل مع الداخل ودول الخارج، رغم العديد من المحاولات التي قامت بها بعض القيادات دون أن تُفلح... الأمر الذي يُحتّم هذه العودة بعد تفتيش عبثي دام منذ 24 كانون الثاني من العام 2022.

وإذ يرحّب الكثير من القوى السياسية من الحلفاء والخصوم بعودة الحريري الى العمل السياسي في لبنان في هذه المرحلة بالذات، تؤكّد المصادر أنّ عودته مأمولة ومطلوبة اليوم، ومن شأنها إعادة خلط الأوراق على الساحة السياسية. ولعلّ هذا ما تتطلّبه هذه الأخيرة حالياً لتحريك الملف الرئاسي وتشكيل الحكومة الجديدة، في ظلّ عدم نجاح "اللجنة الخماسية" في إحداث أي خرق في جدار الأزمة الرئاسية، أو إيجاد مخرج ما للدائرة المفرغة التي دخلت فيها البلاد مع الشغور الرئاسي.

وتقول المصادر نفسها بأنّ البعض يخشى من أن يكون الحريري حاملاً معه تسوية ما، على غرار تلك التي أوصلت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا. على أنّ هذه التسوية قد توصل مرشّح "الثنائي- الشيعي" رئيس "تيّار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية الى القصر الرئاسي، وتُعيد الحريري الى السراي الحكومي... غير أنّها أشارت الى صعوبة حصول مثل هذا الأمر لا سيما في الوقت الراهن، أو على الأقلّ الى عدم نيّة الحريري بالقيام بمثل هذه التسوية مرّة ثانية، سيما وأنّها لم تنجح في حينه لوقت طويل، ولم توصل الى ما هو مطلوب لبناء الدولة وتنظيمها وتحسين وضعها الإقتصادي، بل أدّت الى خلافات سياسية بعد فترة من انعقادها.

كذلك، فإنّ مثل هذه التسوية الداخلية، لا بدّ وأن تأتي نتيجة تسوية إقليمية، على ما أضافت المصادر، وهذه الأخيرة لم تحصل بعد رغم وجود التقارب الإيراني- السعودي والتوافق اليمني- السعودي. لهذا لا يُمكن الجزم حتى الساعة، بأنّ هناك "تغطية عربية أو إقليمية" لعودة الحريري الى الحياة السياسية. ولكن في الوقت نفسه، لم يصدر أي موقف من قبل السعودية، سلبياً أو إيجابياً كان، عن إمكانية عودته الى بلاده واستئنافه عمله السياسي فيها. وهذا يدلّ على أنّها، كما "اللجنة الخماسية" تنتظر أن ترى مشهد التأييد الشعبي للحريري بعد غيابه عن الساحة خلال السنتين الماضيتين.

ولهذا يقوم منظمو العودة من قبل "تيّار المستقبل" وأنصار الحريري بالجهود والمساعي لتأمين حشد شعبي ضخم يُظهر افتقار الطائفة السنيّة لزعيمها، على ما لفتت المصادر عينها، كما حاجة الأفرقاء الآخرين الى رجل دولة سنّي معتدل يُمكنه خلط الأوراق من جديد. وعلى أساس المشهد الذي سيشاهده الجميع يوم غد في 14 شباط، سيبني البعض في الداخل والخارج على الشيء مقتضاه. وهذا الأمر يجعل ذكرى 14 شباط "بروفا" لعودة مستقبلية قريبة للحريري في حال أظهرت الحاجة الماسّة اليه، أو بقائه في الخارج الى حين نضوج التسوية الإقليمية التي قد تُعيده بغطاء دولي، يُضاف الى الترحيب الداخلي السياسي والشعبي به.

فالوضع في لبنان لا يستطيع احتمال فشل آخر، على ما شدّدت المصادر، ما سيجعل عودة الحريري بعد غيابه عن الساحة السياسية تحصل في ظلّ تسوية شاملة، وتكون برعاية دولة إقليمية مثل السعودية، وبلد دولي مثل روسيا، ما سيمنحه دوراً في المرحلة المقبلة، وتأتي عودته عندئذٍ للمشاركة في السلطة وفي تحمّل مسؤولية الإنقاذ والإصلاح مجدّداً. وإذا كانت عودته تفيد الجميع، فإنّ الداخل والخارج سيتمسّك بها، لا بل سيعمل على تسهيلها من أجل مصلحة البلد ككلّ.

أمّا في ظلّ التوازنات الحالية، فلا تزال الأمور تُراوح مكانها، بحسب رأي المصادر، رغم مناداة البعض في الداخل الى جانب نوّاب "تيّار المستقبل" الحاليين والسابقين والأنصار والحلفاء، وتشجيع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي هذه العودة، ودعمها من قبل نائب تكتّل "لبنان القوي" آلان عون بقوله للحريري "اشتقنالك"... غير أنّ عودة الحريري المحبّبة والمنتظرة هذه المرّة من قبل كثيرين، قد تفتح الباب على عودة مستقبلية قريبة. من يدري؟!