اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وإنشاء الجمهورية الإسلامية عام 1979، ببضعة شهور، اتخذ قائد الثورة ومرشد الجمهورية الإمام الخميني قراراً تاريخياً بإعلان يوم القدس العالمي في يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك كل عام، ودعا الشعب الإيراني وكل شعوب الأمة الإسلامية إلى إحياء هذا اليوم دعماً لتحرير مدينة القدس التي فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله.

وكذلك تضامناً مع فلسطين المُحتلة شعباً وقضيةً ومقاومةً، مُعتبراً القضية الفلسطينية قضية الأمة الإسلامية الأولى، وأنّ تحريرها واجب شرعي على كل المسلمين، قائلاً: "إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى تكريس يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس وإعلان التضامن الدولي مع المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين".

قرار الإمام الخميني إعلان يوم القدس العالمي جاء في سياق حضور فلسطين في فكر الإمام الخميني منذ بداية دعوته للثورة الإسلامية في إيران، فكان تحالف النظام الملكي الحاكم في إيران مع الكيان الصهيوني على حساب فلسطين أهم أسباب نزع الشرعية عن النظام والتحريض ضده، وأفتى بضرورة تخصيص جزء من أموال الزكاة والصدقة لدعم الجهاد في فلسطين، وأفتى بوجوب مقاطعة الصهاينة في "إسرائيل".

وبعد انتصار الثورة تحوّل حضور فلسطين من الفكر إلى الواقع في الجمهورية، وتُرجم نهجاً عملياً ثابتاً للدولة، ومُحدِّداً سياسياً مركزياً للعلاقة بالخارج، فأُغلقت السفارة الإسرائيلية واستُبدلت بالسفارة الفلسطينية، ودعمت وما زالت المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والخبرات. وفي هذا السياق الداعم لفلسطين تم إعلان يوم القدس العالمي تأكيداً للالتزام بقضية القدس وفلسطين والعمل على تحريرها.

فكرة يوم القدس عند الإمام الخميني مصدرها مكانة القدس وفلسطين الدينية في الإسلام وأهميتها للأمة الإسلامية، وأنَّ قضية الأقصى والقدس وفلسطين هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، والكيان الصهيوني الغاصب للأقصى والقدس وفلسطين يشكّل خطراً وتهديداً على كل الأمة ومستضعفي العالم.

ولذلك فإنَّ تحرير فلسطين واجبٌ ديني وإنساني على كل المسلمين إلى جانب الشعب الفلسطيني، وهي فكرة تجعل القدس مركز اهتمام وقبلة جهاد المسلمين، وتجعل يوم القدس تذكيراً متواصلاً بالصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب للقدس، تذكيراً يحفظ ذاكرة الأمة من النسيان كيلا يكون المسجد الأقصى "هار هبيت"، والقدس "أورشليم"، وفلسطين "إسرائيل"، وكيلا يُستبدل وعد الآخرة بوعد بلفور، ومشروع المقاومة بالمساومة، وهدف التحرير بالتطبيع.

دلالات وابعاد هذا اليوم:

من ابرز الدلالات التي يمكن استخلاصها من مواقف الامام الخميني، مطلق هذه المناسبة، اعتباره هذا اليوم:

أ- يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين: انه يوم عالمي، له علاقة بالصراع بين الخير والشر، وعمليا بين محور الشر المتمثل بالمستكبرين ومحور الخير الذي يجسده المستضعفون.

ب- يوم القدس هو يوم الإسلام: بعد رمزيته العالمية والانسانية، تأتي الرمزية الدينية للقدس، كتعبير عن مكانة الإسلام كدين الهي يريد ان يصلح العالم وان يرفع الظلم ويقيم العدل، واحد الرموز الفعلية لذلك هو القدس وما تدلل عليه في عملية احيائها وتحريرها كعملية لاحياء الدين واقامته ونشره.

ج- يوم القدس هو يوم الالتزام ونفي النفاق: بعد البعدين العالمي والإسلامي، الانساني والديني، كان البعد التطبيقي ليوم القدس، الذي يجسّد حقيقة الالتزام بالإسلام، بحيث ان هذا اليوم هو المميز بين المسلمين حقاً من غير المسلمين بالمعني الفعلي، او بالاحرى هو الذي يميّز المؤمنين عن المنافقين.

من هنا يأتي تدشين المسار الاستراتيجي الصاعد للتحرير عبر قراءة هذه الدلالات:

- دخول قوة اقليمية كبيرة مثل الجمهورية الاسلامية الى الصراع مع العدو الاسرائيلي وراعيه الأميركي.

- إعادة التذكير بالقضية الفلسطينية ومركزيتها في العالم العربي والإسلامي وبحضورها وبحضور القدس كعنوان لها.

- الإشارة الى المقاومة والنضال الفلسطيني باعتبارها هي التي تحفظ القضية.

هكذا انتشرت خلال السنوات الأخيرة هذه المناسبة بين المسلمين والبلدان غير الإسلامية حتى في الولايات المتحدة، ولم تعد المشاركة قاصرة على العرب أو المسلمين، ولكن البعض من غير المسلمين أيضًا يشاركون فيها بما في ذلك اليهود الأورثوذكس المعادون للصهيونية مثل حركة "ناطوري كارتا".

بالمناسبة سيتم إحياء يوم القدس العالمي هذا العام تحت شعار "من طوفان الأقصى إلى طوفان الأحرار"، وهو شعار استراتيجي يؤكد المسار الاستراتيجي الذي دشنه يوم القدس العالمي، حيث يفتح الدعوة لجميع الأحرار بالمشاركة بالصراع لأنه صراع بين معسكر الظلام والاستعمار والقتل والاستعباد ومعسكر الاحرار وهو إضفاء للصفة الحقيقية للصراع والذي يتجاوز حدود فلسطين المحتلة ليصبح صراعًا كونيًّا بين الحق والباطل.

مراسم هذا اليوم

بعد اعطاء الابعاد الحقيقية ليوم القدس، اكد الإمام الخميني قدس سره على ضرورة احياء هذا اليوم، الذي جعل له شعائر خاصة، تعبّر عن حقيقة الاحياء، فليس الامر مجرد رفضٍ للصهيونية ولهيمنتها ولتسلطها وليس هو مجرد النكران القلبي للظلم الناتج عن احتلال القدس، ومشروع تهويدها، انما الامر يتعدى ذلك الى التحرك والنزول الى الشارع والتعبير العملي عن الاستنكار والرفض للصهيونية وللاستكبار، من هنا كانت المراسم الاتية:

-صدور بيانات منفصلة من جانب مراجع الدين وكبار العلماء في إيران والبلدان المختلفة لدعوة أبناء الشعوب وجميع المسلمين إلى المشاركة الواسعة والحاشدة في المسيرات التي تنطلق يوم الجمعة بمناسبة يوم القدس العالمي.

-دعوة قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي للمسلمين للخروج صفا واحدا في مسيرات يوم القدس العالمي دفاعا عن الشعب الفلسطيني المظلوم.

-خرج المظاهرات والمسيرات الحاشدة في أنحاء العالم من الصباح الباكر حتى تصل إلى المساجد والجوامع، وفي بعض الدول تقتصر المظاهرة على ما بعد صلاة الجمعة.

-تعلو هتافات الاستنكار والتنديد بالصهيونية والاحتلال الصهيوني.

-يرتفع الشعار الرئيسي في هذه المناسبة وهو «الموت لإسرائيل» أو "Down with Israel"

-تُلقى الخُطب والبيانات من الشخصيات والتكتلات الحزبية الإسلامية والسياسية.

-غالباً تحظى هذه المناسبة ـ وخصوصاً في إيران ـ باهتمام الإعلام والتغطيات الإعلامية العالمية.

من هذه المنطلقات ومن هذه الرؤية، فان يوم القدس ليس مجرد يوم للمهرجانات الخطابية والمسيرات الشعبية فقط، بل هو يوم يؤسّس لتحرير فلسطين كجزء من مشروع تشارك فيه كل الأمة العربية والإسلامية، وفي طليعتها محور المقاومة الذي يحمل مشروع التحرير.


الأكثر قراءة

اكثر من حجمه